البلطيق من السيطرة السوفياتية الى أحضان الناتو
2023-09-13 11:00:00

<p>مصيرها مرهون بموقعها الجغرافي الحساس. قد تحسم من خلالها المعركة الأوكرانية المستعصية بين مطرقة الدب الروسي المرعب في شرقها و سندان أوروبا في غربها.</p> <p><br />قدرها ان تبقى حبيسة التوترات و الصراعات القديمة المتجددة بين القوتين. </p> <p><br />تمثل الخاسرة الرخوة لحلف شمال الأطلسي و بالنسبة لبوتين هي البلاد الهاربة من حيزه الإستراتيجي عدة مرات.</p> <p><br />دول البلطيق تنشب الٱن كقنبلة موقوتة على أعتاب الإنفجار فلماذا تعد معقل القلق بالنسبة لبوتين و قادة الغرب؟ و كيف تأثر على مصير الحرب الاكرانية؟<br />بين المطرقة و السندان<br />تعاني دول البلطيق أعلى مستوى من القلق تجاه ما تفعله جارتها الشرقية على الأراضي الأوكرانية.</p> <p><br />ستكون أول البلدان التي تمتد لها نيران القصف اذا تطور النزاع بالإضافة الى ذلك تحظى تلك المنطقة بأهمية إستراتيجية كبيرة جعلتها بؤرة للأطماع و التنافس الدولي الإقليمي بشكل مستمر.فقد طوقها الخناق السوفياتي في الماضي حتى استقرت بعد تفككه لتبدأ فصلا جديدا من تاريخها تجد فيه فرصة الاختيار: إما الانضمام للمعسكر الشرقي و اللعب ضد أمريكا و الغرب و إما الخيار الثاني الاكثر صعوبة الذي يغضب سيد الكريميلين.<br /> تصاعدت طموحات القوى الدولية. كل طرف يسعى لكسب هذه الدول في صفه لزيادة تأثيره و نفوذه في تلك المنطقة.</p> <p><br />واشنطن و دول أوروبا حاولوا ذلك بمنحها عضوية حلف شمال الأطلسي و الإتحاد الأوروبي و في المقابل غازلتها روسيا بمبدإ الترابط الثقافي و الحضاري و التاريخي المشترك بينهما و بهذا تمثل المنطقة تقاطعا مهما بين موسكو و الغرب. و السؤال لماذا تحمل منطقة البلطيق هذه الاهمية الإستراتيجية الفائقة؟ و لماذا ينبض قلبها بالقلق من إحتمال انتقال الحرب الى أراضيها؟<br />استونيا، لاتفيا، ليتوانيا تلك هي الدول الثلاث التي تشكل منطقة البلطيق. و بحكم موقعها الجغرافي الخطير تقف في وجه العاصفة.</p> <p><br />تبدو و كأنها مطوقة روسيا من مختلف الجهات و لا مجال أمامها سوى البحر. فاثنتان منها و هما استونيا و لاتفيا تملكان حدودا مباشرة مع روسيا و تتشارك الدولة الثلاثة ليتوانيا شريطا حدوديا طويلاً مع بيلاروسيا التي تنشر موسكو على اراضيها أسلحتها النووية التكتيكية.</p> <p><br />بعد التصعيد العسكري في أكرانيا، نمت مخاوف الدول الثلاث من قدرة موسكو على عزلها عن بقية دول أوروبا و خصوصاً عبر فجوة "سوالكي" الخطيرة و هو من أكثر المواقع حساسية في أوروبا: ممر يتراوح عرضه بين 60 الى 100كم، يقع على الحدود البولندية الليتوانية بالقرب من إقليم كاليلينيغراد، و يضم 3مدن رئيسية و هي بونسك و سايني و سوفالكي. يحده كاليلينيغراد من الشمال الغربي و روسيا البيضاء من الجنوب الشرقي.</p> <p><br />تتمثل خطورته في تلك القوات العسكرية الروسية المتمركزة فيه. فجيب كاليليغراند يضم اكثر من 50 سفينة حربية تابعة لأسطول بحر البلطيق الروسي في ميناء بالطييسك الى جانب غواصات و قوات برية و لواء بحري و قاعدتين جويتين للجيش الروسي.فبالأساس، تعتبر روسيا أسطول بحر البلطيق حائط صد على حدودها الغربية لذلك زادت من تعزيزاتها العسكرية في منطقة كاليلينيغراد المطلة على بحر البلطيق الذي أصبح ممرا للتصعيد العسكري بعدما شكّل طوال العقود الثلاث الماضية ممرا للتجارة. و عليه يدرك حلف شمال الأطلسي ان سيطرة روسيا على هذا الممر ستشكل تهديدا جديا للحلف قد يؤدي الى عزل دول البلطيق و قطع مسار الاتصال بينها و بقية أعضاء الحلف ما يجعلها أكثر ضعف و يعرضها لضغوط سياسية و اقتصادية. </p> <p><br />لذا تناشد دول البلطيق الناتو لتعزيز وجوده العسكري بالمنطقة منعا للتأثير الروسي المحتمل الذي قد يؤثر على استقرارها و استقلاليتها ذلك بعد أن نسي العالم عقب انتهاء الحرب الباردة عام 1990 ان حربا عالمية ثالثة قد تحدث. لكن كل شيء تغير منذ فبراير 2022 بعد هجوم روسيا على اكرانيا الذي شكل صدمة عنيفة في حوض بحر البلطيق و جعله بشكل مفاجئ في قلب الأحداث خصوصاً بعد رفع العلم الفنلندي في ساحة حلف الناتو في بروكسيل في 4 من ابريل الماضي و كذلك السويد التي حذت حذو جارتها الفنلندية و صارت على أعتاب الناتو بضوء أخضر تركي. و بذلك تنبه الكريميلين ان بحر البلطيق اصبح تحت السيطرة الكاملة لحلف شمال الأطلسي و لم يتبق إلا تسميته ببحر الناتو.<br />بوتين مرعب البلطيق<br />بدأ توجس دول البلطيق يزداد منذ اليوم الذي ضمت فيه روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014.</p> <p><br />خافت ان تلقى المصير نفسه بعد أن تمتعت باستقلالها عن الإتحاد السوفياتي لأكثر من 3 عقود.</p> <p><br />تشير أبحاث مؤسسة تيراند الامريكية الى ان استونيا و لاتفيا و ليتوانيا يمثلون قلقا و عبء بالغا على الناتو فهم الاكثر تعرضا للتهديدات الروسية بحكم الواقع الجغرافي و صغر حجمهم و قلة سكانهم اضافة لوجود اسلحة روسية دفاعية و هجومية متطورة في كالينينغراد في مقابل قدرات دفاعية محدودة للغاية لدى دول البلطيق. لذا اذا حدث تدخل روسي في تلك البلاد فسيكون من الصعب احتواءه. فبلدان البلطيق وفقا لوصف مؤسسة "تيراند" عاجزة تماما عن حماية نفسها من أي اعتداء روسي بدون مساعدة خارجية. كما ان استونيا و لاتفيا متاخمتان لروسيا يعيش فيهما أقليات روسية. فهناك قلق من ان تسعى موسكو لإستعمال أقلياتها لكسب النفوذ في منطقة البلطيق او دعم منطقة ترغب بالانفصال أو تستولي على اراض بلطيقية ما سيظهر فشل الناتو في حماية أعضائه الواقعين أقصى شرقه و يضعف الأجندة الأكبر الرامية الى التوسع الأوروبي الأطلسي.</p> <p><br />و في التقرير نفسه، اوصى الباحثون الناتو بإرسال قوات برية و جوية للبلطيق لردع الدب الروسي خصوصاً ان في ابريل 2017 اعلن جهاز المخابرات الليتواني ان موسكو طورت قدرتها على الهجوم على دول البلطيق في غضون 24 ساعة فقط مايعيق قدرة حلف الناتو على إرسال تعزيزات و يقصر خياراته على القوات العسكرية الموجودة بالفعل في المنطقة.</p> <p><br />البلطيق بؤرة قابلة للانفجار في أي وقت خصوصاً عندما تتقاطر قوات من حلف شمال الأطلسي في كل لحظة تشعر فيها ان الدب الروسي يتململ في حوض بحر البلطيق. فخلال السنوات الاخيرة كثفت الدول البلطيقية من استعداداتها و جهوزيتها العسكرية بدعم الناتو و رفعت الدول الثلاث تكاليف تسليحها الى ملياري دولار في 2019 بزيادة تقدر بضعف الرقم الذي كان 950 مليون دولار في 2005 و طالبت واشنطن بتعزيزات اكبر في المنطقة لطمأنتها. و بالفعل تزداد اعداد قوات الناتو تدريجيا في المنطقة رغم الغضب الروسي حتى وصلت الى 7 الاف جندي إلا أنها لا تزال بعيدة عن مضاهاة قوة موسكو في مناطقها الغربية لذا ترغب دول البلطيق في مزيد من الدعم العسكري خشية قبضة بوتين الساحقة. كما تجري المناورات العسكرية بانتظام على الاراضي الليتوانية قرب الحدود. فالبلطيق عينها على ما تفعله موسكو في بيلاروسيا المجاورة و ما يعنيه ذلك لامنها. حيث يتواجد الاف الجنود الروس على الأرض في بيلاروسيا. و لا يقتصر الأمر فقط على التأهب و الجاهزية لدى القوات المسلحة لدول البلطيق و لا حتى باستدعاء الشباب من سن 19 عاما للتجنيد الاجباري. بل ان التوعية و التعبئة النفسية تكاد تطال كل السكان بمن فيهم الأطفال في المدارس و ذلك بنشر الكتب و النشرات التحذيرية و التثقيفية في حال حدوث أي تحرك روسي محتمل. و خصوصا ان موسكو يمكن ان تتحدى الناتو من خلال اللعب بورقة البلطيق. و منذ ان عزز الناتو قواته على أبواب روسيا شدد الكريميلين أمنه العسكري على المحورين الغربي و الشمالي الغربي. و في الٱونة الاخيرة أطلقت القوات الروسية مناورات واسعة النطاق تحت أسم "اوشين شيلد" باشراف الادميرال "نيكولا يافمنوف" قائد القوات البحرية الروسية. تشمل مشاركة 30سفينة حربية و 20 سفينة دعم و 30 مسيّرة تابعة لسلاح الجو بالإضافة الى حوالي 6000 عسكري بهدف فحص استعدادات القوات البحرية لحماية المصالح الروسية في تلك المنطقة و ذلك ردا على المناورات الضخمة التي أجراها الناتو في بحر البلطيق تحت قيادة الاسطول السادس الامريكي. و شاركت في هذه المناورات فنلندا المرة الاولى في تمرين " بال توبس 23".</p> <p><br />أما قطع الغاز الروسي عن دول البلطيق و عن وسط القارة العجوز و غربها فهو تهديد استراتيجي ٱخر تواجهه البلطيق منذ اندلاع الحرب اذ تنقل شركة "غاز بروم" الغاز الروسي الى الشمال الاوروبي و منه الى قلب ألمانيا و اعد ابرز شركة غاز روسية و مقرها سانت بطرسبرغ أهم مرافئ تصدير الغاز في العالم. و تعتمد دول البلطيق الثلاث على الغاز الروسي بنسبة تفوق 90%. و في ظل تهديدات روسيا بقطع الغاز شهدت مياه البلطيق تسربا للغاز في 4 مواضع مختلفة يرجّح ان يكون متعمدا و ذلك في خط انابيب نورد ستريم وفق ما أعلنته الحكومتان السويدية و الدنماركية ما اضر بالاقتصادات الغربية و أدى إلى ارتفاع اسعار الغاز و يمثل هذا الخط أحد أهم النقاط الساخنة في حرب الطاقة المتصاعدة بين أوروبا و موسكو.<br />من السيطرة السوفياتية الى أحضان الناتو <br />منذ فجر التاريخ كان بحر البلطيق أحد البحار الثلاثة التي شكلت استراتيجية التوسع الروسية بالإضافة الى محاولات عديدة من قبل أوروبا للسيطرة عليه لفرض نفوذها في الشمال الأوروبي و محاولة للتوسع نحو الشرق. </p> <p><br />و تعد حرب الشمال العظمى التي جرت في الفترة بين 1700و 1721 واحدة من أهم الحروب التي حدثت في منطقة البلطيق. تصارعت فيها قوى الشمال الأوروبي لحيازة الزعامة فيما بينها و السيادة على البلطيق و على رأسها روسيا و السويد. و كانت السويد في القرن 17 القوة الشمالية العظمى و كان البلطيق أشبه ببحيرة سويدية. فقد حول الملك" قوستاف اودولف" البلد الى قلعة عسكرية على ذلك البحر لولعه بالحرب و انخرط في حرب الثلاثين عاما التي جرت بين 1618 و 1648 التي انتهت بصلح واستفاليا الشهير عام 1648. لتخرج السويد قوة اوروبية عظمى لها السيادة على بحر البلطيق و دفع هذا النفوذ السويدي دولا شمالية ابرزها بولاندا و الدنمارك إلى الانضمام للقيصر الروسي في حربه التي بدأها ضد السويد في مستهل القرن 18 طمعا في تقسيم املاك السويد الشاسعة على البلطيق. و لعل بناء مدينة سانت بطرسبرغ كان من أهم ثمرات هذا التحالف. اذ كانت المدينة رأس الحربة الروسية الموجهة نحو غرب أوروبا و شمالها الى ان اندلعت الحرب العالمية الاولى فخلالها نشبت الثورة الروسية و أنهت الامبراطورية القيصرية و عندما انتهت الحرب قاومت شعوب البلطيق محاولات الأتحاد السوفياتي الجديد ٱنذاك لاستعادة السيطرة عليها. و في عام 1920 وقّعت الدول البلطيقية معاهدة سلام مع السوفيات لنيل استقلالها. لكن هذا الاستقلال لم يستمر طويلاً. فبعد فترة قصيرة من بداية الحرب العالمية الثانية أجبر الزعيم السوفياتي "جوزاف ستالين" قادة دول البلطيق على السماح للقوات السوفياتية بدخول أراضيهم. و تم تأسيس حكومات شعبية فيما بعد في البلدان الثلاثة لتصبح ثلاث جمهوريات سوفياتية بعد أن ضمها ستالين الى الاتحاد في اغسطس عام 1940. و بعدها بعام، غزت ألمانيا الاتحاد السوفياتي إضافة الى دول البلطيق التي فقدت كثيرا من سكانها خلال تلك الفترة.</p> <p><br /> بحلول عام 1945 استعاد السوفيات دول البلطيق مرة اخرى و ظلت شعور البلطيق تكافح للحصول على استقلالها مجددا.</p> <p><br />و قد تحقق ذلك في أوائل التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. و شهدت دول البلطيق في عام 1990 انتخابات ديمقراطية انتهت بفوز الاحزاب المؤيدة للاستقلال عن الأتحاد السوفياتي و تم الاعتراف الدولي باستقلال دول البلطيق و تم قبول عضويتها في الأمم المتحدة في وقت لاحق بعد انسحاب القوات الروسية منها اخر اغسطس 1994.</p> <p><br />و لم تعد روسيا تحتفظ سوى بمنفذ ضيق على البحر : سانت بطرسبرغ و جوارها الواقع في عمق خليج فنلندا الى جانب منطقة كالينينغراد المحصورة بين بولاندا و ليتوانيا.</p> <p><br />فتح هذا الاستقلال مرحلة جديدة في تاريخ البلطيق حيث تمتعت تلك الدول بنمو اقتصادي مستدام و سعت الى التكامل مع أوروبا الغربية كهدف استراتيجي رئيسي و دخلت تحت المظلة الاوروبية الأطلسية فصارت الدول الثلاث اعضاء في الناتو و الاتحاد الاوروبي منتصف 2004 و فيما بعد انضمت لمنظمة التعاون الأقتصادي و التنمية و اعتمدت اليورو عملة رسمية لها. و تواكبا مع التغييرات السياسية و التحول الديمقراطي، خضعت اقتصاداتها لعملية أصلاح و اندمجت في السوق الاوروبي و شهدت انخفاضا نسبيا في معدل التضخم الى ما دون 5% بحلول عام 2000 و في الوقت الحاضر تصنف هذه الدول الثلاث على انها اقتصادات عالية الدخل من قبل البنك الدولي و تحافظ على مستويات مرتفعة في مؤشر التنمية البشرية و رغم ذلك التطور فإن النظام السياسي في بلدان البلطيق لا يزال يتصف بالضعف ما ادى الى بقاءها دولا ضعيفة هشة. ففي مرحلة ما بعد الاستقلال صارت تتجاذبها كل من روسيا على الطرف الشرقي و الدول الغربية الأطلسية متمثلة في الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد الاوروبي على الطرف الغربي.</p> <p><br />كل من الطرفين يسعى الى مد نفوذه و تحقيق مصالحه في دول البلطيق و الغابة الى الآن للطرف الغربي الذي استطاع استقطاب تلك الدول و ضمها الى حضيرته.</p> <p><br />و قبل ايام أكد رؤساء وزراء دول البلطيق ان الدول الثلاث ستنضم لمجموعة السبع لدعم اكرانيا و مدها بمساعدات سياسية و عسكرية و مالية و اقتصادية مستمرة و محاسبة روسيا و الزامها بالتعويض عن الضرر الناجم عن هجومها على اوكرانيا.<br />حوض البلطيق الاستراتيجي<br />أسمته الشعوب السلافية القديمة بحر "فارانغيان" و عرفته شعوب شمال أوروبا قبل 2000سنة بالبحر السويدي و في ألمانيا يقولون البحر الشرقي.</p> <p><br />أما بحر البلطيق فجاء من التسمية اللاتينية القديمة "ماري بلطيكوم" و هي تسمية اطلقها "ادم البريميني"،احد النبلاء المشهورين في العصور الوسطى في ألمانيا نسبة الى جزيرة بالطيا التي تقع بالبحر و يرجع تسميتها الى الرومان.</p> <p><br />يعدٌ بحر البلطيق جزء من المحيط الأطلسي و يذهب عميقا في شمال القارة الاوروبية حيث تحيطه شبه الجزيرة الاسكندينافية و أوروبا الوسطى و أوروبا الشمالية و أوروبا الشرقية و الجزر الدنماركية.</p> <p>يتصل بخليج "كاتيجات" عن طريق مضيق "اورسنت".و يكمل كاتيجات مساره الى بحر "سكاغيراك" و منه الى بحر الشمال وصولا الى المحيط الأطلسي. </p> <p><br />تقع على بحر البلطيق العديد من الموانئ التي تمتلكها عدة دول منها الدنمارك و ألمانيا و استونيا و فنلندا و السويد و ميناء لينينغراد الروسي الشهيرة.<br />كما توجد عدد من الجزر فيه و هي تابعة لتلك الدول المشاطئة له. من اهمها جزيرة "غوتلاند" السويدية جزيرة "صاريما" الاستونية الجزيرة الدنماركية "مورينهولم" جزيرة "اولندا" التي كانت تابعة للسويد و حاليا تتبع فنلندا.</p> <p><br />1610كم هو طول بحر البلطيق و 193 كم عرضه مساحته 377 الف كم مربع و حجم مياهه 21الف كم مكعب. يزيد طول شواطئه عن 8000كم. <br />يعد البلطيق بحرا ضحلا بمتوسط عمق 55م و مياهه تصنف بأنها مسوسية اي بين المالحة و العذبة.</p> <p><br />كان مصطلح دول البلطيق يستخدم حتى اوائل القرن العشرين لوصف البلدان المجاورة لبحر البلطيق التي تشمل السويد و الدنمارك و احيانا ألمانيا و الامبراطورية الروسية. لكن بعد تأسيس رابطة الشمال الاوروبي، تغير الاستخدام المعتاد للمصطلح فلم يعد يشمل السويد و الدنمارك. و بعد الحرب العالمية الاولى نشأت دول جديدة ذات سيادة على الساحل الشرقي لبحر البلطيق و هي استونيا و لاتفيا و ليتوانيا و اصبحت هذه الدول تعرف باسم دول البلطيق.</p> <p><br />تقع هذه الدول على الشواطئ الشرقية لبحر البلطيق الذي يحدها من الجهة الغربية و الجهة الشمالية و تحدها كل من بولندا و جزء من روسيا من الجهة الجنوبية الغربية و من الشرق تحدها روسيا.</p> <p><br />بحر البلطيق له اهمية قصوى كونه منطقة مائية ضخمة تحدها عدة دول اوروبية. فإلى جانب دول البلطيق الثلاث، هناك دول مطلة على البحر مباشرة و هي ألمانيا و بولندا و روسيا و السويد و الدنمارك و فنلندا. و هناك دول واقعة في حوض تصريف البحر لكنها لا تطل عليه. و هي روسيا البيضاء أو بيلاروسيا و جمهورية التشيك و النرويج و سلوفاكيا و أكرانيا.</p> <p><br />تتميز دول البلطيق الثلاث بنفس الظروف المناخية القاسية و الثقافات و التقاليد و بعدد سكانها القليل حيث أنها مجتمعة يعيش فيها نحو 6 ملايين نسمة: <br />استونيا البالغة مساحتها 45ألف كم مربع عدد سكانها 1.3 مليون نسمة عاصمتها "تالين" و تعد من أكثر الدول تقدما بين جارتيها.<br />لاتفيا 64 ألف كم مربع تأوي 1.9 مليون نسمة و عاصمتها "وريغا".</p> <p><br />لتوانيا 65 ألف كم مربع تضم 3 ملايين نسمة و عاصمتها "فيلنيوس".</p> <p><br />لا تشكل هذه الدول الثلاث اتحادا رسميا لكنها تتشارك في التعاون الحكومي الدولي و البرلماني فيما بينها و من أهم مجالات التعاون السياسة الخارجية و الأمنية و الدفاع و الطاقة و النقل.</p>
تبّون وعون والنيف الجزائريّ !
2025-07-27 13:07:00

<h3>كلمة “نيف” في الجزائر مشتقّة من الأنَفة، وتختصر كلَّ صفات العزّة والكرامة والترفّع. وهي إحدى ثوابت التاريخ والحاضر الجزائريّين، حتّى ولو أن المغالاة فيها قد يُسبب للجزائر بين حين وآخر مُشكلة هُنا وتوتّرًا هناك. وهي أيضًا من خصالِ الشخصيّة الجزائريّة، أكانت رئيس دولة أو رئيس حزب أو ضابطًا كبيرًا أو فلاحًا أو نادلاً في مقهى.</h3> <p> </p> <p>سيكتشف الرئيس اللُبناني جوزف عون الذي يصل هذا الثلاثاء الى الجزائر أنَّ في طباعِه الشخصيّة كثيرًا من النيف الجزائري دون أن يدري، فهو عُرف بصلابتِه في خلال تولّيه قيادة الجيش، وبعدم تنازلِه لمافيات السياسة التي استعبدت البلاد والعباد، حتّى ولو أن العنادَ في مواقفِه، كاد يحرمه من كُرسي الرئاسة، قبل أن يستقرّ الرأي الدوليّ والعربي عليه كأفضل خيار للمرحلة الحاليّة.</p> <p> </p> <p>من ينسى خطابَه الشهير أمام ضباط المؤسسة العسكريّة، حين رفع الصوت ضد ساسة لُبنان وحذّر من ضرب الجيش ومعنوياته. وهذا بالضبط ما يُسمّى بالنيف. سيكتشف الرئيس عون أيضًا، رئيسًا جزائريًّا مُحبًّا للُبنان، وراغبًا في توسيع نطاق مساعدته في الكثير من المجالات، دون أن يطلب من لُبنان شيئًا بالمقابل.</p> <p> </p> <p>فهذا دأبُ الجزائر منذ فجر استقلالها الذي صاغته بنضال شعبها وبملايين الشهداء والجرحى والمعوقّين، حيث لم تبخل يومًا بالوقوف إلى جانب لُبنان في كلّ أزماته، أكان ضدَّ إسرائيل أو في زلازله الداخليّة من الحرب الأهلية إلى تفجير المرفأ.</p> <p> </p> <p>حين كلّف الرئيس عبد المجيد تبّون، الدبلوماسي العريق والمثقف الموسوعي والكاتب الألمعي كمال بوشامة بمنصب سفير في لُبنان، أوصاه بأن يبذل كل ما يستطيع لمساعدة لُبنان في كل ما يحتاجه من مواد بناء، ومعدات وعتاد للجيش، ونفط، ومنح تعليميّة، وكلّفه ببناء أكبر صرح ثقافيّ جزائريّ في بيروت، انطلاقًا من قناعته بأن لُبنان كان وسيعود منارة ثقافية عربيّة وعالميّة.</p> <p> </p> <p>ولعلّ إقفال ملف الاتهام الظالم لشركة سوناطراك الجزائريّة في لُبنان سيُساهم في إعادة بواخر النفط، والإعلان عن استعادة الخطوط الجويّة المباشرة بين الجزائر وبيروت. لم تعرف الجزائر لغة المصالح مع لُبنان، لكنّ في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها في علاقاتها المتوترة مع فرنسا، ومع بعض الدول الأفريقية، ومع الجارة المغربية، وحتى مع روسيا وبعض الدول العربيّة، يحاول الرئيس تبّون أن ينوّع علاقات الجزائر الخارجيّة، فيوسّع نطاق الاتفاقات التبادلية والعسكريّة مع الولايات المتحدة ( تشكل حوالي 29% من الاستثمار الأجنبي المباشر في الجزائر لعام 2024)، خاصة في قطاع الطاقة البترولية، وكذلك مجالات الزراعة والتكنولوجيا والخدمات مع الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع روسيا، ويوقّع اتفاقيات استراتيجية مع الصين التي توسّع حضورها في الجزائر على حساب الحضور الفرنسي وباتت المورّد الأول الجزائري</p> <p> </p> <p>. وها هو الرئيس تبّون يهدي بابا الفاتيكان ليون الرابع عشر غصن شجرة زيتون غرسها القديس أوغسطين في مدينة سوق أهراس شرق الجزائر. وهو بالمناسبة الرئيس العربي والإفريقي الأول الذي يلتقي البابا الجديد، وذلك بعد أن وقّع اتفاقات كُبرى مع إيطاليا التي باتت الشريك التجاريّ الأول للجزائر. الأنفة الجزائريّة تُريد من خلال هذه العلاقات ان تقول لفرنسا إنّها ليست بحاجة إليها، وإنّ البدائل كثيرة، وإنَّ باريس هي الخاسرة في تعميق التوتّر الذي بدأ بسبب إعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون موقفا داعمًا لسيادة المغرب على الصحراء، ووصل الآن الى حد تبادل التضييق على الدبلوماسيّين.</p> <p> </p> <p>ومع توتّر العلاقات مع بعض الدول العربية، شهدت الجزائر توسيعًا للعلاقات مع تركيا التي باتت بين كبار المستثمرين في الجزائر بإجمالي استثمارات يزيد عن 6 مليار دولار، كما أنَّ عدد الشركات التركيّة العاملة على الأراضي الجزائريّة تجاوز 1500 شركة تعمل خصوصًا في قطاعات البناء والطاقة والخدمات.</p> <p> </p> <p>ماذا يفيد لُبنان؟</p> <p> </p> <p>في هذا السياق بالضبط، قد لا يُشكّل لُبنان مصلحة تجارية أو استثماريّة أو اقتصاديّة للجزائر، لكنّه بالمقابل يُمكن أن يُصبح أحد ركائز المشروع العربيّ العزيز على قلب الرئيس تبّون، كما أنّ بيروت باستعادة اشعاعها الثقافي والنهضوي بمساعدة الجزائر، تشكّل ساحة تنافس فعليّ مع فرنسا، ناهيك عن الدور الذي تستطيع الجاليّة اللُبنانية في إفريقيا والعالم أن تلعبه في سياق التنسيق اللُبنانيّ الجزائريّ</p> <p> </p> <p>. فتشييد أكبر مجمّع ثقافي جزائري في قلب بيروت قريبًا ليس أمرًا عابرًا. هذه أول زيارة لرئيس لُبناني إلى الجزائر منذ 25 عامًا ( وهذا تقصيرٌ مستغرب فعلاً)، وهي تأتي في ظل انتعاش مشروع إسلامي في الجوار السوري من النوع الذي يقلق الجزائر، وفي ظل توسّع الأطماع الإسرائيلية في لبنان وسوريا بعد فلسطين، وهي الأطماع التي تقف الجزائر ضدّها منذ استقلالها، ولم تتوان تاريخيًّا عن إرسال جزء من جيشها للقتال إلى جانب العرب في حرب 1973.</p> <p> </p> <p>كما أن الرئيس تبّون نفسه سعى جاهدًا لعقد أول مصالحة فلسطينية حقيقيّة على أرض الجزائر، لكنَّ ثمَّة من سارع لإفشال هذا المشروع. ولعلَّ الجزائر تطمح إلى أبعد من ذلك اليوم بشأن جامعة الدول العربية والتصويت في مجلس الأمن. يستطيع لبنان الناهض من كبواته، الاعتماد على الجزائر في أكثر من قطاع وملف، وتستطيع الجزائر أن تعزّز حضورها المشرقي من بوابة بيروت، ومشروعها العربي الطموح. هي لحظة ممتازة للتعاون، وسيسمع الرئيس عون الكثير ممّا توقّعه أو لم يتوقّعه عن استعداد إدارة الرئيس تبّون لمساعدة لُبنان على النهوض وعلى نحو أوسع بكثير من آمال لُبنان. فلا يوازي الأنفة الجزائريّة سوى عمق الحبّ الجزائريّ للُبنان وشعبه.</p> <p> </p> <p>سامي كليب</p>
ليبيا: هل يُهدد تحالف حفتر – تركيا السلام الإقليمي؟
2025-07-20 09:21:00

<h2><strong>بينما يتراجع الملف الّيبي إلى خلفية الصورة في الأولويات الجيوسياسية العالمية، يتبلور تحالف غير متوقّع بين المشير خليفة حفتر، قائد المنطقة الشرقية، وتركيا. هل هو تحالف خطير؟ الأمر يتوقّف على زاوية النظر.</strong></h2> <p> </p> <p>ولّت الأيام التي كانت تتدخل فيها تركيا في ليبيا للدفاع عن طرابلس ضدّ الهجمات المتكررة التي شنّها المشير حفتر وجيشه الوطني الليبي. من اتفاقيات استخباراتية، إلى آلاف الطائرات المسيّرة الحديثة، وصولًا إلى نشر المرتزقة سوريين والجنود الأتراك بين مصراتة وسرت: لم تبخل أنقرة بأيّ شيء للحفاظ على حالة الجمود (التوازن؟) في ليبيا.</p> <p>صحيح أن تركيا كسبت بالمقابل منفذًا مميّزًا إلى السوق الليبية. من المواد الأساسية إلى الأسلحة الخفيفة لميليشيات طرابلس، وحتى الاتفاقيات المثيرة للجدل بشأن الحدود البحرية، استفاد رجب طيب أردوغان كثيرًا من هشاشة حكومة طرابلس لفرض التجارة التركية داخل ليبيا. والأهم من ذلك، أنّ الزعيم التركي نجح في زرع أجندته الايديولوجيّة المبهمة في ليبيا: إسلامي–إخواني، مؤيد لقطر، حليف للولايات المتحدة، داعم لفلسطين، ولكنه لا يمانع التعامل مع الكيان الصهيوني… يبدو في النهاية أن الإيديولوجيا تنحني دائمًا أمام المصالح الاقتصادية والجيوسياسية.</p> <p>في الواقع، تسير تركيا منذ فترة في الاتجاه المعاكس في الملف الليبي. مصالحها بدأت تتقاطع تدريجيًا مع مصالح أعداء الأمس – أي معسكر حفتر وحلفائه الإقليميين. البداية كانت في عام 2024، عندما أعلن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، عن قرب تطبيع العلاقات مع "الجيش الوطني الليبي" لحفتر. وبعدها بفترة قصيرة، وقّع بلقاسم، نجل خليفة حفتر، عشرات العقود مع شركات تركية في إطار "صندوق إعادة إعمار ليبيا". وفي نهاية نفس العام، التقى صدام حفتر بوزير الداخلية الليبي (من الغرب) عماد الطرابلسي في إسطنبول. ثم، في مطلع 2025، استقبل رئيس أركان الجيش التركي، سلجوق بيرقدار أوغلو، وفودًا من الشرق والغرب الليبي، الواحدة تلو الأخرى.</p> <p>من المؤكد إذًا أن تركيا "تلعب على الحبلين" في ليبيا، مستفيدة من اللامبالاة الأوروبية. ومع ذلك، لم يحصل أيّ تقارب حقيقي بين طرابلس وبنغازي برعاية تركية. فباستثناء تعزيز حضورها لدى جميع الأطراف الليبية، ماذا تفعل تركيا حقًا في ليبيا؟</p> <p> </p> <p><strong><u>التوتّر مع اليونان: الغاز، الهجرة، ومناورات تركيا الغامضة</u></strong></p> <p> </p> <p>في جنوب جزيرة كريت اليونانية، تتنافس شركتا إكسون موبيل وشيفرون الأمريكيتان على حقوق التنقيب عن الغاز. وتمتدّ الحقول المستهدفة حتى المياه الليبية، متقاطعة مع المناطق البحرية المتنازع عليها بين تركيا واليونان. إنها المنطقة الاقتصادية الخالصةالتي أُنشئت بموجب الاتفاق الموقّع بين طرابلس والسلطات التركية عام 2019.</p> <p>لطالما رفضت اليونان هذا الترتيب بحجّة أن حكومة فايز السراج، عند توقيع الاتفاق البحري، لم تكن حكومة شرعية. لكن اليوم، ومع الاعتراف الدولي بحكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، والحياد الضمني من بنغازي، يتهاوى الادعاء اليوناني. فعليًا، لم يتبقّ سوى موافقة حفتر حتى تدعم ليبيا بأكملها الطموحات التركية في شرق المتوسط.</p> <p>وبذلك، تجد السلطات اليونانية نفسها في موقف حرج. فهي ترفض السماح لشركة شيفرون بالتنقيب قبالة سواحل كريت طالما لم يُحسم ملف المنطقة الاقتصادية الخالصة. ولكن شركة شيفرون، التي كانت سابقًا طرفًا في الوساطة بين مؤسسة النفط الوطنية (التابعة لحكومة الوحدة) وشركةArkenoOil(المملوكة لعائلة حفتر)، لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.</p> <p>منذ مارس، بدأ آلاف المهاجرين القادمين من ليبيا بالوصول إلى السواحل اليونانية، و سواحل كريت بالتحديد. ففي نهاية الأسبوع الماضي وحدها، تم اعتراض أكثر من 2000 مهاجر في الجزيرة. وتأتي هذه الضغوط المفاجئة في وقت كانت فيه اليونان تحاول التوصّل إلى اتفاق أمني مع ليبيا حول مسألة الهجرة، من دون أن تفترض وجود صلة مباشرة بصفقة الغاز المعطّلة مع شيفرون.</p> <p>الحدث الأكثر رمزية وقع في 8جويلية: وفد يقوده مفوّض الهجرة للاتحاد الاوروبي، ماغنوس برونر، ووزير الخارجية اليوناني، يورغوس غيرابيتريتيس، تم منعه من مغادرة مطار بنغازي. كانوا ينوون لقاء خليفة حفتر، لكنه تجاهلهم وطردهم بشكل علني. وهو مؤشر لا يمكن تجاهله: إنه يعكس التحولات الجديدة في علاقة الجيش الوطني الليبي مع تركيا والاتحاد الأوروبي. والأهم، أن إهانة الوفد الأوروبي تؤكّد أن ملف الهجرة لا يزال أداة ضغط جيوسياسية فعالة.</p> <p>بالنسبة لتركيا، فإن المكاسب الممكنة من التحالف مع حفتر هائلة. إذ إن أنقرة قد تتمكن من فتح أسواق جديدة لمصنّعي الأسلحة الاتراك، وتوسيع نفوذها على الأراضي الليبية، من موانئ طرابلس إلى قواعد سرت وبنغازي. كما سيسمح لها ذلك بتأمين وجودها في جنوب المتوسط، الذي تراجع مع سقوط الأنظمة الإخوانيّة في مصر وتونس، بالإضافة إلى تعزيز موقعها في المفاوضات حول تدفّق الطاقة نحو أوروبا.</p> <p>وقبل كل شيء، فإن هذا التموقع سيجعل من تركيا طرفًا لا غنى عنه في أي اتفاق ليبي داخلي أو في العلاقة بين ليبيا وأوروبا. فهي ستصبح بوابة إلزامية، سواء في مسار الانتقال السياسي الليبي، أو في إدارة ملف الهجرة. ويأتي تقارب حفتر مع تركيا في وقت تعجز فيه أوروبا عن تقديم بديل فعّال في ليبيا، بعد أن أضعفتها انقساماتها بشأن أوكرانيا، وانحيازها لمحور واشنطن–تل أبيب، وخروجها المُذلّ من جميع الملفات الإفريقية. ولا بد هنا من التذكير بدور فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في تفاقم الأزمة الليبية.</p> <p> </p> <p><strong><u>إهتزاز التوازنات في ليبيا... والجزائر وروسيا تتموضعان</u></strong></p> <p> </p> <p>لم يصدر عن روسيا أيّ ردّ فعل علني بخصوص التقارب بين حفتر وتركيا، لكن كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ موسكو كانت مؤيّدة لهذا التقارب. فانسحاب مجموعة فاغنر من مالي، وإعادة نشر المستشارين العسكريين الروس في ليبيا، يوحيان بأنّ عملية إعادة التموقع جارية بالفعل. وفوق ذلك، من الصعب تصوّر أن يتحالف حفتر علنًا مع تركيا دون إبلاغ داعميه الروس.</p> <p>وفي المقابل، قد تحافظ روسيا على مواقعها في الحقول النفطية بشرق ليبيا، بل وقد تضمن إنشاء قاعدة بحرية دائمة في طبرق. فوفقًا لتقرير صادر عن مجمع التفكير The Soufan Center، فإنّ السفن الروسية كثّفت زياراتها لميناء طبرق العسكري الخاضع لسيطرة حفتر. ووفقًا لوكالةAgenzia Nova، تسعى موسكو إلى إنشاء قاعدة عسكرية في سبها، بدعم من حفتر، تُمكّنها من الحفاظ على توازن استراتيجي مقابل أنقرة، وأيضًا من نشر صواريخها على بُعد أقلّ من 1000 كلم من أوروبا.</p> <p>الأكثر إرباكًا هو ما يحدث في السودان: فحفتر يدعم "قوات الدعم السريع" في هجومها على الجيش السوداني منذ أشهر، وهذه القوات بدورها على صلة مباشرة بمجموعة فاغنر الروسيّة. ممّا يعني أن التحالف الموضوعي بين بنغازي وموسكو ليس غامضًا كما يبدو، ولا يتعارض – في الظاهر على الأقل – مع مصالح تركيا وطموحاتها.</p> <p>ومع ذلك، فإن كانت الحركية التركية في ليبيا تتفادى الاحتكاك المباشر مع روسيا، فإنّ الأمر يختلف مع الجزائر، الحليف الأول لموسكو في منطقة المغرب العربي. فالجزائر، التي تعلن حيادها الرسمي في الخلافات الداخلية الليبية، لا تنظر بعين الرضا إلى الوجود التركي على حدودها الشرقية، خاصة إذا ترافق مع عودة محور حفتر – مصر.</p> <p>لكن نفوذ بنغازي يتجاوز حدود ليبيا. ففي ماي الماضي، استُقبل صدام حفتر في النيجر – بحفاوة كبيرة – وذلك بعد أيام قليلة من توقيعه اتفاقيات دفاعية في أنقرة. وفي نفس الفترة، قامت بعثة تركية بتفقّد منطقتي غدامس وغات الحدوديتين مع الجزائر، بهدف إنشاء قاعدة جوية دائمة في غرب ليبيا.</p> <p>هذه التطوّرات قد تُربك مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء نيجيريا – الجزائر (NIGAL)، الذي كان يعوّل على شراكة – متعثّرة – مع شركة الغاز الروسية "غازبروم"، وعلى علاقات دبلوماسية وثيقة في النيجر وغرب ليبيا. ومن الواضح أنّ صمت الجزائر الحالي يهدف إلى الحفاظ على حسن علاقاتها مع روسيا، وتجنّب مواجهة مباشرة وغير مدروسة مع تركيا. فحدود ليبيا تمثّل أصلاً تحديًا أمنيًا واقتصاديًا محوريًا للجزائر.وفوق كل ذلك، لا شيء يضمن أن تركيا تعمل فعلاً من أجل توحيد بنغازي وطرابلس. وهذه الاخيرةتُعدّ "خطًا أحمر" للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. ثم إنّ الجزائر لن تقبل أبدًا بإعادة توجيه المحور الغازي الافريقي نحو شرق المتوسط، لصالح تركيا التي تتجاوز عادة في طموحاتها قدراتها الواقعية، وحدودها أحيانا.</p> <p>وعليه، فإنّ الديناميكية التركية في ليبيا لا يمكن إلا أن تثير القلق. والخاسر الأكبر سيكون – من دون شك – أوروبا، التي سترى نفوذها الدبلوماسي ينهار نهائيًا في ليبيا لصالح أطراف لا تتقاطع مصالحهم الإستراتيجية بعيدة المدى مع مصالح القارة العجوز. شيء واحد مؤكّد: إنّ ليبيا ما بعد القذافي ما زالت تتشكّل، وكما هو الحال في أغلب الأحيان، فإنّ ملامح المرحلة القادمة يرسمها الصمت الإقليمي و تخطّها الحسابات الأجنبية.</p> <p> </p> <div> <p>بقلم: نزار الجليدي كاتب و محلل سياسي</p> </div> <div class="d-lg-flex"> </div>
