أكلي والآخرون.. شهداء دون العشرين!
2024-05-19 17:37:00

<p> </p> <p>سرد وجيز حول مسيرة الطالب الشهيد أكلي زميرلي.</p> <p><strong>بقلم: عمر زميرلي، طالب سابق في ثانوية الشهيد عميروش في تيزي وزو.</strong><br /><strong>(أستاذ في الطب. أخصائي في طب الأنف والأذن والحنجرة).</strong></p> <p><br />كيف استجاب الثانويون الشباب في المدرسة الحديثة بتيزي وزو لنداء الاتحاد العام للطلاب المسلمين الجزائريين في 19 مايو 1956؟<br />منذ 68 عامًا، استجاب الطلاب الثانويين بالمدرسة الحديثة، على غرار زملائهم في المدارس الأخرى في البلاد، لنداء الاتحاد العام للطلاب المسلمين الجزائريين في 19 مايو 1956 للقيام بإضراب عن الدروس. كانوا مراهقين، وبالكاد خرجوا من مرحلة الطفولة، تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عامًا. لم يعرفوا في حياتهم سوى دراستهم، غير أنّ وعيهم كان عاليا، إذ لم يكن لديهم سوى هدف واحد فقط: تحرير البلاد بأي وسيلة، حتى ولو كان الثمن التضحية بأغلى ما يملكون. إذ أنّ العديد منهم ضحوا بحياتهم "في ريعان الشباب".</p> <p>للتذكير، كانت المدرسة الحديثة في تيزي وزو هي المؤسسة الوحيدة في كامل منطقة القبائل الكبرى، وسبقتها مؤسسة بعنوان التعليم الابتدائي العالي حتى عام 1941. بعد الاستقلال، تم تسميتها بثانوية العقيد عميروش حتى عام 1970 ثم ثانوية فاطمة نسومر. بعض الشخصيات التي خلد التاريخ أسماءهم مرت بهذه المؤسسة، مثل عميد النشطاء من تيزي وزو، مقران بوبريت الملقب رابح مؤسس مجموعة الكشافة المسلمين الجزائريين (الهلال) في تيزي وزو في 1938، وكان رفيقا للشهيد المؤسس محمد بوراس. وأيضًا علي حموتان ومولود فرعون، مفتشا المراكز الاجتماعية الذين اغتالتهم منظمة الجيش السري الفرنسي في 1962. وكذا أحمد زميرلي، عضو سابق في حزب الشعب الجزائري، مسؤول منظمة جبهة التحرير الوطني في فرنسا، الذي تبوّأ منصب والي تيزي وزو من 1964 إلى 1966، وصديقه مبارك أيت منقلات، ناشط في حزب الشعب الجزائري، حيث تم طردهما بسبب أنشطتهما السياسية في 1938.</p> <p>على غرار المناطق الأخرى في البلاد، دفعت منطقة القبائل الكبرى ثمنًا باهظًا للتحرر من نير الاستعمار. سأذكر بعض الأسماء من نشطاء جبهة التحرير الوطني الذين كانوا طلابًا سابقين في الكلية وشاركوا في النضال قبل هذا النداء. من الذين لا يزالون على قيد الحياة:</p> <p>- القائد موح خامص، ضابط سابق في جيش التحرير الوطني.<br />- رابح سويبس، مسؤول إقليمي في فيدرالية في فرنسا، سفير سابق بعد الاستقلال.<br />- مصطفى حسون، مزيان لوانشي، علي أوبوزار، عبد القادر بلحاج.<br />ومن الذين فارقوا الحياة، أذكر:<br />- أحمد تيرزي، شريف أوبوزار، محمد بليل، سويبس مصطفى، حسين مزوني، غومزيان محمد، حسين غشتولي صلاح مكاشر، سكرتير الولاية الثالثة التاريخية السابق.<br />- النقيب مصطفى نوري، المسؤول الإقليمي، الملازم موح أريزكي حدادو، موح عميروش، ضابط مقاومة حتى اللحظة الأخيرة، وأصيب بجروح خطيرة. بعد الاستقلال، أدار مستشفى نذير في تيزي وزو.<br />- عزيز نوري، خريج أول دفعة من المدرسة الوطنية للإدارة، أمين عام ولاية سابق.<br />ومن طلاب الثانوية الذين استجابوا لنداء 19 مايو 1956 وسقطوا في ميدان الشرف كثيرون، حوالي خمسين اسمًا محفورًا على النصب التذكاري لثانوية فاطمة نسومر الحالية، وبعضهم لم يُذكر. من بينهم، من انضم إلى المقاومة بعد سنتين أو ثلاث سنوات، مثل رحيم حموتان وسي والي أيت أحمد، الأمين الحالي لمنظمة المجاهدين في تيزي وزو. لم يكونوا قد بلغوا 15 عامًا.</p> <p>أجدني عاجزًا عن سرد مسيرة كل طالب، لهذا سأكتفي بمسيرة أخي الأكبر أكلي. وأرجو أن يسامحني جميع رفاقه الذين لم أذكرهم. بعضهم معروف أكثر من الآخرين بسبب بطولاتهم واحترامهم لواجب الذاكرة من قبل إخوتهم، مثل أخي زميلي وصديقي سعيد ميتيش، الملازم موح نجرجر، الشهيد الذي أسر الكابتن غرازياني خلال معركة قتال متلاحم في معركة أث يحيى موسى.</p> <p>ولد أخي أكلي زميرلي في 5 يوليو 1937 في حي زلال في المدينة العليا لتيزي وزو. ارتاد المدرسة القرآنية لالة سعيدة، وتعلم بتفانٍ واهتمام كبير. حفظ السّور الأساسية من القرآن الكريم حتى سن 15 عامًا. تعلم اللغة العربية وتحدثها وقرأها وكتبها بطلاقة. مستواه الممتاز في العربية أفاده كثيرًا عند دخوله إلى الثانوية الفرنسية الإسلامية في بن عكنون. فقد وجه رسالة باللغة العربية إلى صديقه حبيب قبل بضعة أشهر من انضمامه إلى المقاومة، يجدد فيها صداقته الأبدية، مما يوحي إلى أنها بمثابة وداع ووداع نهائي. احتفظتُ بهذه الرسالة وكنت أقرأها باستمرار وأحلل المستوى الفكري وأقدر الأسلوب الأدبي وأحاول فهم درجة الوعي العالي لمراهق يبلغ من العمر 17 عامًا.</p> <p>عاد أكلي إلى المدرسة الحديثة في مدينته الأم تيزي وزو، واندمج في الأسرة. خلال سنة واحدة، كان مواظبًا على جميع الدروس ولم يتغيب أبدًا. كان متميزًا في جميع المواد العلمية والتقنية واللغات: الفرنسية، الإنجليزية، اللاتينية، والعربية الدارجة والفصحى. كان محل تقدير من جميع أساتذته الذين أولوه احترامًا عميقًا. كان في الصف الثاني في المدرسة. اجتاز جميع امتحانات الفصل الأول وحصل على درجات جيدة، ثم امتحانات الفصل الثاني بنفس الدرجات المرضية. كان سلوكه عاديًا تمامًا دون أي علامة على التوتر أو أي سلوك غير طبيعي يشير إلى تغيير في طبعه وعاداته. لم يظهر أي علامة غير مألوفة على ما كان ينوي فعله. ثم، دون سابق إنذار، غادر المدرسة كما كان يفعل عادة في 19 مايو 1956 ولم يعد أبدًا أو يعطي أي إشارة إلى أنه على قيد الحياة. انضم إلى إخوته في المقاومة في الجبال المحيطة. لم يكن قد بلغ 19 عامًا بعد.</p> <p>والمفارقة هي أنه لم تتم استعادة تقرير درجات الامتحان إلى أسرته أبدًا. لكن بعد خمسين عامًا، بفضل مدير سابق للثانوية، السيد بليد بلقاسم، حصلتُ على التقرير وأعطاني إياه عندما علم أنني أخ أكلي. كنت أملك تقرير درجات أخي الكبير الذي لم يكن لي أي ذكرى عنه. قرأت وأعدت قراءة جميع الدرجات التي حصل عليها، وقدرت ملاحظات أساتذته المختلفة، وكانت النتيجة النهائية: "مقبول في الصف الأعلى". وملاحظة أخرى: "غائب منذ 20 مايو 1956". احتفظت بهذا الوثيقة في أرشيفي الشخصي بعناية.. إنها مرجعية التحاقه بالثورة.</p> <p>كانت حياة أكلي خلال سنة في الجبل من أكثر الفترات نشاطًا وكثافةً. كانت مهمته الأساسية هي النضال المسلح والمشاركة في المعارك على الخطوط الأمامية في منطقة غير محمية على حدود مدينة تيزي وزو في تضاريس الجبال غير الوعرة، على مرمى الطائرات العسكرية، وعلى بعد بضعة كيلومترات من المطار العسكري في المخرج الغربي لمدينة تيزي وزو. كانت المروحيات المسماة "الموز" وطائرات الاستطلاع والمقاتلات DC10 لا تتوقف عن التحليق لتحديد مواقع المقاتلين من تيزي وزو واستهدافهم. بمجرد أن تتمكن الطائرات من معرفة إحداثيات مواقعهم، فتبدأ بالقصف المكثف والمستمر ثم تدخل الأسراب المقاتلة، وتكمل القصف بقنابل النابالم التي تحرق كل ما في طريقها من أجساد بشرية وحيوانات وأشجار ونباتات؛ كان هذا الجحيم على الأرض.</p> <p>كان أكلي، الشاب المقاوم، في القطاع الثاني الذي يغطي منطقة بني زمنزر، جزءًا من المنطقة الثالثة في الولاية الثالثة التاريخية. حيث كان مركز القيادة للقطاع يقع في رجاونة، تحديدًا في قرية إماغيسن داخل منزل عائلة أسما. كان هذا المكان ملاذًا للمقاتلين بعد معاركهم، ومركزًا للراحة والعلاج للمقاتلين المصابين.</p> <p>كان أكلي قد تلقى تدريبًا على الإسعافات الأولية قبل التحاقه بالثورة في الجبل. شمل هذا التدريب الاستعداد لمواجهة الإصابات الحربية والصدمات النفسية بطريقة احترافية. هذه المهارات مكنته من أداء مهامه الطبية والعلاجية للمقاتلين المصابين الذين كانوا بحاجة إلى رعاية يومية، بما في ذلك تطهير الجروح، تغيير الضمادات، إعطاء الحقن، مراقبة القطرات، والتطعيم ضد الكزاز.</p> <p>بفضل شخصيته القوية وطيبته وقوة إرادته رغم صغر سنه، كان أكلي يرفع معنويات الجرحى في المستشفى، حيث يقضون فترات طويلة قبل شفائهم أو انتظار نقلهم إلى مستشفيات أخرى لتلقي رعاية أكثر ملاءمة. كان أكلي، المثقف في المجموعة، يتولى كتابة الرسائل لمعظم المجاهدين الأميين أو قراءتها وترجمتها إلى العربية أو القبائلية، دون تغيير المحتوى أو خيانة الثقة التي أودعوها فيه.</p> <p>هكذا عاش أكلي حياته في الجبل مع إخوته في النضال من مختلف قرى منطقة تيزي وزو. كانوا في الغالب شبابًا وقليل التعليم أو أميين، لكن الفرق في المستوى الفكري أو الاجتماعي لم يظهر بينهم. كانوا إخوانًا في النضال متحدين لأجل الاستقلال أو التضحية القصوى.</p> <p>مرت سنة وجاء اليوم القاتل. كانت معركة من أكثر المعارك دموية، حيث استخدمت القوات الاستعمارية المعادية وحلفاؤها من الحركى جميع أنواع الأسلحة. تم تحديد موقع مجموعة من 10 مقاتلين في منطقة بني دوالا في مكان يسمى أزرو مزو، حيث أحاطت بهم قوات كبيرة ولم يكن لديهم أي فرصة للانسحاب. استمرت المعركة العنيفة طوال اليوم من الفجر حتى الغروب.</p> <p>من شرفة منزلها، كانت والدة أكلي تراقب الطائرات التي تدور في السماء فوق منطقة المعركة. كان هذا المشهد يشبه تحليق النسور، علامة نذير شؤم. كان لدى والدة أكلي شعور بأن ابنها جزءٌ من المعركة وأن حياته في خطر. لم تتوقف المعركة إلا عند حلول الليل.</p> <p>في اليوم التالي، استدعى الجنود والد أكلي. بعد استجواب مكثف، تم توجيهه إلى المستشفى دون أي تفسير. وبطبيعة الحال، تصور الوالد عند وصوله أنه سيزور ابنه المصاب في المعركة، أو أنه على الأقل مصاب وعلى قيد الحياة. لكن المكان الذي تم توجيهه إليه لم يكن قسمًا للإقامة بل مكانًا مظلمًا في الطابق السفلي، غرفة لحفظ الجثث تسمى المشرحة، حيث كان بها عشر جثث متراصّة.</p> <p>بشجاعة المؤمن الصادق والمسلم الممارس، وبعد تلاوة الفاتحة، تعرف الوالد على وجه وجسد ابنه الطاهر المثقوب بالرصاص، واحدة منها اخترقت وجهه. وبكرامة واعتزاز باستشهاد فلذة كبده، لم يذرف دمعة واحدة. أومأ الوالد برأسه مؤكداً أن الجثة هي بالفعل لابنه الشهيد أكلي. غادر المشرحة برفقة جنديين من العدو نحو مركز إداري للاستجواب مرة أخرى.</p> <p>كانت هذه هي المرة الأخيرة التي رأى فيها جسد ابنه. لم يتم تسليمه للعائلة لدفنه وفقًا للمبادئ الإسلامية. دفن المجاهدون العشرة الذين سقطوا في المعركة معًا في مقبرة مدوحة في تيزي وزو في مكان بعيد يصعب الوصول إليه، بعيدًا عن مقبرة عائلة أكلي.</p> <p>تمت رواية تفاصيل استشهاده من قبل شاهد عيان ناجٍ من هذه المعركة البطولية. فقد علمت عائلة أكلي بذلك بعد 60 عامًا عند قراءة كتاب عن تاريخ أكلي وإخوته في النضال في الجبل وفي موقع رجاونة. في ذلك الوقت، بعد عودته إلى المخبأ، لم يتم إبلاغ ابن عمه موح مكاشر بوفاة أكلي. كان مصابًا ولم يكن من الممكن إخباره حتى لا يتم تدمير معنوياته. كان أكلي ابن عمه الشاب، وكان يعتني به ويحميه ويحبه كثيرًا. موح مكاشر هو أيضًا من شهداء الثورة، فقد سقط في الميدان بسلاحه في يده، وكان متزوجًا من ابن عمته وأب لطفلين.</p> <p>إنضمّ أكلي الشهيد إلى إخوانه من الشهداء الآخرين في دار الخلود وجنة الله الواسعة. وبالتأكيد لا شيء يمكن أن يعزي والديه اللذين فقدا ابنهما الثاني في ريعان الشباب: 20 عامًا في عام 1957.</p> <p>إذا كان التضحية القصوى لهؤلاء الطلاب الذين انضموا إلى الثورة شائعة في ءلك الوقت، وإذا كانت حياتهم في الجبل متشابهة، وإذا تشاركوا نفس الأحزان بتعزية ودعم بعضهم البعض عند فقدان أحد إخوتهم في النضال، فإن لكل منهم حياة شخصية، وتجربة ومسيرة فردية في جو عائلي خاص وحساسية معينة تستحق أن تروى لتستمرّ إلى الأبد، كواجب ذاكرة.</p> <p>بعد الاستقلال، تم إعادة دفن تسعة من المجاهدين العشرة الذين سقطوا في ميدان الشرف، ودفنوا معًا في قراهم الأصلية. وبقي فقط قبر أكلي. إذ بعد نصف قرن، وبمبادرة من الأخ الأكبر إبراهيم، عضو منظمة جبهة التحرير الوطني، وبعد اجتماع عائلي، تقرر نقل قبره إلى مقبرة العائلة، وتم تنظيم مراسم جنازة، تميزت بقراءة القرآن الكريم وشهادات مؤثرة من الذين عرفوه، وخاصة التكريم البارز من المجاهد ضابط جيش التحرير الوطني وأمين عام الولاية صالح مكاشر، مؤلف عدة كتب عن حرب الجزائر.</p> <p>يقع قبر أكلي بجانب قبور والده عمار، جده أكلي، أخيه الأكبر محمد، جدته ووالدته في مقبرة العائلة لزميرلي في مقبرة مدوحة، واسمه محفور على واجهة مدرسة ابتدائية في مسقط رأسه في تيزي وزو.</p> <p>إن القيام ببحوث وتحريات حول هؤلاء الطلبة الأبطال ضروري لإخراجهم من المجهول والتعريف بهم لأجيال الأستقلال ليدركوا حجم التضحيات من أجل الحرية. يجب أن يقدم أفراد العائلة والشهود الذين عرفوهم شهاداتهم. يجب أن تكتب سيرهم الذاتية بحروف من ذهب حتى لا ينساهم أحد. لكي لا تذهب تضحياتهم سدى.</p> <p>المجد والخلود لشهدائنا. لتحيا الجزائر حرّة عزيزة.</p> <p>عمر زميرلي.</p>
مسيرات أوكرانية في سماء ليبيا: ورقة جديدة في صراع قديم
2025-08-05 09:50:00

<h2>طرابلس - بينما يعيش المشهد الليبي حالة من الغليان الأمني والسياسي، تكشف تقارير إعلامية ومصادر محلية عن تطور جديد قد يُغيّر موازين القوى في العاصمة طرابلس والمناطق الغربية: دخول الطائرات المسيرة الأوكرانية كأداة في يد رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة.</h2> <p> </p> <p>بحسب ما نشره تلفزيون "المسار" مطلع يوليو، فقد تمكنت قوات تابعة لـ"قوة الردع الخاصة" بقيادة عبد الرؤوف كارة من إسقاط ثلاث طائرات استطلاع مسيّرة أوكرانية الصنع، كانت تحلّق فوق قاعدة معيتيقة الجوية. ووفقاً للتقارير، فإن هذه المسيّرات جرى تهريبها إلى ليبيا عبر وسطاء في أذربيجان، في صفقة تضمنت ست طائرات، وصل نصفها إلى الأراضي الليبية في أواخر يونيو.</p> <p> </p> <p>وما يزيد من إثارة الجدل هو ما كُشف لاحقاً من قيام قوات مقربة من الدبيبة بإدخال دفعة جديدة من المسيّرات عبر حدود إحدى دول الجوار الليبي بمساعدة الملحق العسكري الأوكراني في تلك الدولة وبمرافقة خبراء أوكرانيين في التشغيل والصيانة. هذه المعطيات، التي نشرها الناشط السياسي ناصر عمار، تضيف بعداً دولياً للتحرك العسكري الذي ينتهجه الدبيبة، والذي يبدو أنه يسعى من خلاله إلى تعزيز تفوقه الجوي في مواجهة خصومه المحليين، في ظل تصاعد التوترات مع ميليشيات معارضة في الزاوية وطرابلس.</p> <p> </p> <h3>أوكرانيا في قلب النزاع الليبي؟</h3> <p> </p> <p>تشير بيانات صحيفة "الساعة 24" إلى أن المركز الأوروبي للدراسات الاستراتيجية اعتبر استخدام هذه المسيّرات تطوراً يعكس تصعيدًا خطيرًا في النزاع المسلح بالعاصمة طرابلس. وأكدت الصحيفة أن حكومة الدبيبة، وتحت إشراف مباشر، قامت بشراء طائرات مسيرة أوكرانية لاستخدامها ضد قوة الردع الخاصة. وترجِع الصحيفة المسؤولية المباشرة للمفاوضات إلى اللواء عبد السلام زوبي من الجانب الليبي، وإلى الملحق العسكري الأوكراني من الجانب الأوكراني، وهو ما يتقاطع مع تقارير أخرى تحدثت عن وجود نشاط دبلوماسي وأمني أوكراني غير معلن في عدة دول أفريقية مثل السودان ومالي.</p> <p>حيث أفادت من جهتها تقارير تم تداولها في الإعلام العربي والإفريقي أن أوكرانيا ضالعة في دعم جماعات مسلحة إرهابية وانفصالية في مناطق أخرى من القارة، بما في ذلك مالي ونيجيريا والصومال، حيث أشارت صحيفة "الميادين" نقلاً عن وسائل إعلام محلية في مالي، أن سلطات باماكو اتهمت بعض السفارات الأوكرانية في دول المغرب العربي بتسهيل تهريب الأسلحة والمقاتلين الأوكرانيين إلى شمال مالي، وتسليمهم طائرات مسيرة من طراز "مافيك". ورغم عدم وجود تأكيدات رسمية من كييف، فإن تواتر مثل هذه التقارير والاتهامات يثير تساؤلات حول طبيعة السياسات الخارجية الأوكرانية، ومدى انخراطها في صراعات غير أوروبية.</p> <p> </p> <h3>صورة حصرية تعيد الملف إلى الواجهة</h3> <p> </p> <p>وفي تطور لافت، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة حصرية تُظهر حطام طائرة مسيّرة يُشتبه بأنها أوكرانية الصنع، تم إسقاطها في مدينة صبراتة خلال تنفيذ ضربات جوية استهدفت مواقع داخل المدينة، ضمن عمليات تقودها حكومة عبد الحميد الدبيبة.</p> <p>وبينما أعلن الدبيبة أن الطائرات المستخدمة في الهجوم من طراز "بيرقدار أكانجي" التركية، فإن مصادر مطلعة كشفت أن بعض المسيّرات المستخدمة ليست تركية، بل أوكرانية، حصلت عليها الحكومة عبر صفقة سرية مررها وسطاء عبر الجزائر، بدعم غربي، وفق ما تم تداوله.</p> <p> </p> <h3>تصعيد أمني... وتدويل محتمل</h3> <p> </p> <p>استخدام الطائرات المسيّرة في النزاع الليبي ليس تطوراً تقنياً فقط، بل يحمل أبعاداً أمنية خطيرة، خصوصاً إذا تحوّلت إلى أداة اغتيالات واستهدافات دقيقة داخل العاصمة. كما أن إدخال أطراف أجنبية — سواء كانوا خبراء أو جهات مصدّرة — قد يفتح الباب أمام تدويل جديد للصراع الليبي، في وقت يحاول فيه الليبيون البحث عن الاستقرار وانهاء الأزمات.</p> <p>ووسط غياب الشفافية الرسمية بشأن هذه الصفقات، يبقى المشهد ضبابياً. فهل يسعى الدبيبة بالفعل إلى توظيف المسيرات كأداة لبسط السيطرة في مواجهة خصومه؟ أم أن ما يحدث يعكس توجهاً إقليمياً أوسع لتغيير قواعد اللعبة في ليبيا باستخدام التكنولوجيا العسكرية؟</p> <p>في ظل هذه الأسئلة، يبقى الثابت الوحيد هو أن الساحة الليبية لم تخرج بعد من دائرة التصعيد، وأن دخول المسيّرات الأوكرانية على خط النزاع قد يكون مقدمة لتحولات أعمق، قد لا تتوقف عند حدود طرابلس.</p> <p>الكاتب والباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية: محمد صادق اسماعيل</p>
تبّون وعون والنيف الجزائريّ !
2025-07-27 13:07:00

<h3>كلمة “نيف” في الجزائر مشتقّة من الأنَفة، وتختصر كلَّ صفات العزّة والكرامة والترفّع. وهي إحدى ثوابت التاريخ والحاضر الجزائريّين، حتّى ولو أن المغالاة فيها قد يُسبب للجزائر بين حين وآخر مُشكلة هُنا وتوتّرًا هناك. وهي أيضًا من خصالِ الشخصيّة الجزائريّة، أكانت رئيس دولة أو رئيس حزب أو ضابطًا كبيرًا أو فلاحًا أو نادلاً في مقهى.</h3> <p> </p> <p>سيكتشف الرئيس اللُبناني جوزف عون الذي يصل هذا الثلاثاء الى الجزائر أنَّ في طباعِه الشخصيّة كثيرًا من النيف الجزائري دون أن يدري، فهو عُرف بصلابتِه في خلال تولّيه قيادة الجيش، وبعدم تنازلِه لمافيات السياسة التي استعبدت البلاد والعباد، حتّى ولو أن العنادَ في مواقفِه، كاد يحرمه من كُرسي الرئاسة، قبل أن يستقرّ الرأي الدوليّ والعربي عليه كأفضل خيار للمرحلة الحاليّة.</p> <p> </p> <p>من ينسى خطابَه الشهير أمام ضباط المؤسسة العسكريّة، حين رفع الصوت ضد ساسة لُبنان وحذّر من ضرب الجيش ومعنوياته. وهذا بالضبط ما يُسمّى بالنيف. سيكتشف الرئيس عون أيضًا، رئيسًا جزائريًّا مُحبًّا للُبنان، وراغبًا في توسيع نطاق مساعدته في الكثير من المجالات، دون أن يطلب من لُبنان شيئًا بالمقابل.</p> <p> </p> <p>فهذا دأبُ الجزائر منذ فجر استقلالها الذي صاغته بنضال شعبها وبملايين الشهداء والجرحى والمعوقّين، حيث لم تبخل يومًا بالوقوف إلى جانب لُبنان في كلّ أزماته، أكان ضدَّ إسرائيل أو في زلازله الداخليّة من الحرب الأهلية إلى تفجير المرفأ.</p> <p> </p> <p>حين كلّف الرئيس عبد المجيد تبّون، الدبلوماسي العريق والمثقف الموسوعي والكاتب الألمعي كمال بوشامة بمنصب سفير في لُبنان، أوصاه بأن يبذل كل ما يستطيع لمساعدة لُبنان في كل ما يحتاجه من مواد بناء، ومعدات وعتاد للجيش، ونفط، ومنح تعليميّة، وكلّفه ببناء أكبر صرح ثقافيّ جزائريّ في بيروت، انطلاقًا من قناعته بأن لُبنان كان وسيعود منارة ثقافية عربيّة وعالميّة.</p> <p> </p> <p>ولعلّ إقفال ملف الاتهام الظالم لشركة سوناطراك الجزائريّة في لُبنان سيُساهم في إعادة بواخر النفط، والإعلان عن استعادة الخطوط الجويّة المباشرة بين الجزائر وبيروت. لم تعرف الجزائر لغة المصالح مع لُبنان، لكنّ في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها في علاقاتها المتوترة مع فرنسا، ومع بعض الدول الأفريقية، ومع الجارة المغربية، وحتى مع روسيا وبعض الدول العربيّة، يحاول الرئيس تبّون أن ينوّع علاقات الجزائر الخارجيّة، فيوسّع نطاق الاتفاقات التبادلية والعسكريّة مع الولايات المتحدة ( تشكل حوالي 29% من الاستثمار الأجنبي المباشر في الجزائر لعام 2024)، خاصة في قطاع الطاقة البترولية، وكذلك مجالات الزراعة والتكنولوجيا والخدمات مع الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع روسيا، ويوقّع اتفاقيات استراتيجية مع الصين التي توسّع حضورها في الجزائر على حساب الحضور الفرنسي وباتت المورّد الأول الجزائري</p> <p> </p> <p>. وها هو الرئيس تبّون يهدي بابا الفاتيكان ليون الرابع عشر غصن شجرة زيتون غرسها القديس أوغسطين في مدينة سوق أهراس شرق الجزائر. وهو بالمناسبة الرئيس العربي والإفريقي الأول الذي يلتقي البابا الجديد، وذلك بعد أن وقّع اتفاقات كُبرى مع إيطاليا التي باتت الشريك التجاريّ الأول للجزائر. الأنفة الجزائريّة تُريد من خلال هذه العلاقات ان تقول لفرنسا إنّها ليست بحاجة إليها، وإنّ البدائل كثيرة، وإنَّ باريس هي الخاسرة في تعميق التوتّر الذي بدأ بسبب إعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون موقفا داعمًا لسيادة المغرب على الصحراء، ووصل الآن الى حد تبادل التضييق على الدبلوماسيّين.</p> <p> </p> <p>ومع توتّر العلاقات مع بعض الدول العربية، شهدت الجزائر توسيعًا للعلاقات مع تركيا التي باتت بين كبار المستثمرين في الجزائر بإجمالي استثمارات يزيد عن 6 مليار دولار، كما أنَّ عدد الشركات التركيّة العاملة على الأراضي الجزائريّة تجاوز 1500 شركة تعمل خصوصًا في قطاعات البناء والطاقة والخدمات.</p> <p> </p> <p>ماذا يفيد لُبنان؟</p> <p> </p> <p>في هذا السياق بالضبط، قد لا يُشكّل لُبنان مصلحة تجارية أو استثماريّة أو اقتصاديّة للجزائر، لكنّه بالمقابل يُمكن أن يُصبح أحد ركائز المشروع العربيّ العزيز على قلب الرئيس تبّون، كما أنّ بيروت باستعادة اشعاعها الثقافي والنهضوي بمساعدة الجزائر، تشكّل ساحة تنافس فعليّ مع فرنسا، ناهيك عن الدور الذي تستطيع الجاليّة اللُبنانية في إفريقيا والعالم أن تلعبه في سياق التنسيق اللُبنانيّ الجزائريّ</p> <p> </p> <p>. فتشييد أكبر مجمّع ثقافي جزائري في قلب بيروت قريبًا ليس أمرًا عابرًا. هذه أول زيارة لرئيس لُبناني إلى الجزائر منذ 25 عامًا ( وهذا تقصيرٌ مستغرب فعلاً)، وهي تأتي في ظل انتعاش مشروع إسلامي في الجوار السوري من النوع الذي يقلق الجزائر، وفي ظل توسّع الأطماع الإسرائيلية في لبنان وسوريا بعد فلسطين، وهي الأطماع التي تقف الجزائر ضدّها منذ استقلالها، ولم تتوان تاريخيًّا عن إرسال جزء من جيشها للقتال إلى جانب العرب في حرب 1973.</p> <p> </p> <p>كما أن الرئيس تبّون نفسه سعى جاهدًا لعقد أول مصالحة فلسطينية حقيقيّة على أرض الجزائر، لكنَّ ثمَّة من سارع لإفشال هذا المشروع. ولعلَّ الجزائر تطمح إلى أبعد من ذلك اليوم بشأن جامعة الدول العربية والتصويت في مجلس الأمن. يستطيع لبنان الناهض من كبواته، الاعتماد على الجزائر في أكثر من قطاع وملف، وتستطيع الجزائر أن تعزّز حضورها المشرقي من بوابة بيروت، ومشروعها العربي الطموح. هي لحظة ممتازة للتعاون، وسيسمع الرئيس عون الكثير ممّا توقّعه أو لم يتوقّعه عن استعداد إدارة الرئيس تبّون لمساعدة لُبنان على النهوض وعلى نحو أوسع بكثير من آمال لُبنان. فلا يوازي الأنفة الجزائريّة سوى عمق الحبّ الجزائريّ للُبنان وشعبه.</p> <p> </p> <p>سامي كليب</p>
