قصة فساد!

إذا كان طحكوت وعائلته مطالبون بتعويضات قدرها 50 ألف مليار للخزينة العمومية، ناهيك عن الأموال المصادرة سابقا والتي لا تقل عن الرقم المذكور وآلاف السيارات الفارهة التي تمت استعادتها، وهي أرقام مرعبة استفاد منها رجل واحد، فكم هي الأموال التي نهبها الآخرون وعلى رأسهم زعيم العصابة كونيناف، وعلي حداد وغيرهما من الأسماء التي نهبت أرزاق الجزائريين طيلة عشريتين من الزمن، وتركت البلاد في أزمة اقتصادية خانقة؟
وبمناسبة محاكمة آل طحكوت هذه الأيام لا بأس أن أسرد حادثة وقعت بينه وبين أحد أبنائه، حيث أخذ هذا الأخير طائرة والده وسافر بها إلى الخارج لعدة أيام، وعندما عاد خاصمه والده وقال له:” ما تزيدش تدي طيارتي كاين الدراهم روح أشري طيارتك (أي لا تأخذ طائرتي مرة أخرى، الأموال موجودة واشتري طائرتك)”.
سردت الواقعة لأظهر كمية الفساد غير المسبوق والاستهتار بالرأي العام الذي بلغته البلاد في عهد بوتفليقة، فكيف لرجل مثل طحكوت لم يكن يملك شيئا سنوات قليلة قبل وصول بوتفليقة إلى الحكم، أن يستولي على كل هذه المبالغ وبسهولة، وتصبح الخزينة العمومية في خدمة شلة من الفاسدين.
نجل طحكوت يتجول في العالم على متن طائرة خاصة، بينما يلقي أبناء الشعب بأنفسهم في قوارب الموت بعدما فقدوا الأمل في مستقبل أفضل في البلاد.
المصيبة أننا عندما نقرأ الأحكام الصادرة في حق هؤلاء أو التماسات النيابة وآخرها التماس 12 سنة سجنا فقط لطحكوت ونجليه نصاب بالذهول، لأن هذه الأحكام لا تسوي شيئا أمام الجرائم التي اقترفها هؤلاء في حق البلاد وفي حق الشعب الجزائري.
ولا أتهم هنا جهاز العدالة الذي هو مقيد بقانون عقوبات فصلته العصابة على المقاس تحسبا للجرائم الاقتصادية التي كانت تخطط لها في حال انكشف أمرها وتمت متابعة عناصرها أمام المحاكم، الأمر الذي يستوجب مراجعة قانون العقوبات مع تشديد الأحكام ولما لا تفعيل الحكم بالإعدام مع تنفيذه، لأن كل الأحكام الصادرة ضد رموز لعصابة غير رادعة، بل تزرع اليأس والإحباط في النفوس، فكيف للذي نهب كل هذه الملايير بأرقام يصعب نطقها أو تصورها أن يحكم عليه بالسجن لبضعة سنوات فقط؟
صحيح أن جهاز العدالة والإرادة السياسية مصممة على الذهاب إلى أقصى حد في الحرب على الفساد مثلما أكده مرارا كل من رئيس الجمهورية ووزير العدل، ولا تزال المحاكمات متواصلة منذ أزيد من ثلاث سنوات، ومعها يسترجع الجزائريون الأمل في استرجاع الأموال المنهوبة من الداخل والخارج، لكن يبقى الأمل هشا ما لم تراجع ترسانة القوانين التي يجب أن تكون صارمة ورادعة حتى لا تكون البلاد فريسة مرة أخرى لعصابات أخرى مستقبلا!
حدة حزام