
سأكتب لك وأعرف أنك لن تقرأ مقالي هذا، وأنت الذي داومت على قراءة مقالاتي، وكنت تتصل بي أحيانا تناقشني أو تهنئني على ما كنت تسميه شجاعة وجرأة وتقول لي أنني الوحيدة التي أقول ما لا يجرؤ على قوله الآخرون.
حزينة لرحيلك سيدي، وحزينة أكثر لدموع ابنتيك وافية وآسيا ونجلك، لكنها إرادة الخالق الذي لا مرد لإرادته.
كلمتك من أسابيع لما احتفلت رفقة صديقتي آسيا بعيد ميلادك الثالث والتسعين، وتمنيت لك طول العمر، لكنك قلت، بعد كل هذا العمر، فيها براكة.
ليس غريبا أن يبكيك الجميع، وتعج صفحات المواقع الاجتماعية بصورك ويدعو لك الجميع ومن كل الأجيال بالرحمة، فقد رحلت نظيف اليد في زمن تلوث الكثيرون وأنت من تقلدت المناصب العليا، بقيت وفيا لمبادئ رفاق نوفمبر، ورفضت التستر على الفساد وانسحبت بشرف من برنامج سنة الجزائر بفرنسا، وكيف لك أن تسقط في هذا الفساد وأنت المثقف والمربي والموسيقي الذي قدم لجيلنا الكثير من خلال الأناشيد التربوية الهادفة، فجيل الحديقة الساحرة الذي داعبت مخيلته بأجمل الألحان وأبدع الأناشيد سيبقى يذكرك ويعترف لك بالجميل، وعندما نذكر اسمك سنترحم عليك وعلى الزمن الجميل الذي أنت أحد أعلامه البارزة.
عشت حياة جميلة، مليئة بالعطاء والانجازات، وها أنت ترحل اليوم راضيا عما قدمت ولن يرقى الندم إلى نفسك ولا لذريتك التي ترفع اليوم رأسها بشموخ عرفانا لك على ما قدمت.
لم نعرف فيك إلا التواضع واحترام الآخر، وتعاملت مع كل من اقترب منك بأبوية تسدي دائما النصيحة ولا نسمع منك إلا الكلمة الطيبة، تشد على ايدينا بدعمك وتنير نصائحك القيمة لنا الطريق الذي عبدته أنت بتجارب قاسية ومريرة.
ستفقد فيك الجزائر القامة الثقافية، والوطني الذي خدم بلاده، والأب الذي أنشا أجيالا متصالحة مع هويتها والوالد الذي أنجب وربى أبناءه تربية يضرب بها المثل في استقامتهم ووطنيتهم وتفوقهم.
ترحل اليوم لتلحق بابنك الذي فجعت فيه من سنوات قليلة وابنتك الطبيبة التي خطفها منك المرض اللعين، فقد كان للفاجعتين عظيم الأثر على نفسك المرهفة، تغلبت على أحزانك وواصلت طريقك بهدوء وصبر. رحمك الله أستاذنا لمين بشيشي وأسكنك فسيح جانته.
حدة حزام