صراع الرئاسات الثلاث يثير أزمة دستورية ويهدد منظومة الحكم في تونس

تجاذبات تُربك المشهد السياسي، واحتقان وغليان شعبي في الشارع
على غير العادة، لم تكن مسألة التعديل الوزاري في تونس هذه المرة هينة، فقد رافقتها وتلتها تجاذبات عديدة ما تزال مستمرة، وتنذر باحتمال حل البرلمان وإسقاط حكومة هشام المشيشي.
فبرغم من مرور أسبوع على تصويت البرلمان التونسي لصالح التعديل الوزاري في حكومة المشيشي لم يقم الرئيس قيس سعيد بدعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية كما ينص على ذلك الدستور التونسي، وذلك بعد تحفظه خلال اجتماع مجلس الأمن القومي، على تسمية 4 وزراء تحوم حولهم شبهات تضارب مصالح وفساد.
وعلى وقع حراك الشارع، تتواصل الأزمة السياسية في تونس بين رؤوس السلطة، خاصة بين رئيس الجمهورية قيس سعيد من جهة، ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان من جهة أخرى، ومما زاد الازمة تعقيدًا تصريح زعيم النهضة راشد الغنوشي حين وصف دور الرئيس في البلاد بـ” الرمزي”، بالإضافة لدعوته لتغيير النظام السياسي.
يأتي هذا في وقت بدأت فيه عدة كتل برلمانية ونواب مستقلون في التوقيع على لائحة لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، تمهيداً لعرضها للتصويت في جلسة عامة، وذلك بعد اتساع دائرة الغضب منه وتزايد الدعوات لعزله من منصبه، بسبب فشله في تسيير البرلمان وتسببه في احتقان الأجواء بداخله.
في الصدد، قال الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال زيارة غير معلنة لوزارة الداخلية، إن “الدولة مستمرة وإن رئیس الدولة ھو الضامن لاستمراريتھا”.
جاء ذلك عقب عقده اجتماعا في الوزارة مع وزير الداخلیة بالنیابة ورئیس الحكومة ھشام المشیشي ومدير عام الأمن الوطني وآمر الحرس الوطني ومدير عام وحدات التدخل وكاتب عام الوزارة، رئیس الديوان بالنیابة، حيث أكد الرئیس التونسي أن “الدولة موجودة والحريات مضمونة ولیس ھناك علاقة عداء بین الأمنیین والمواطنین”، كما أكد أنه لا يقبل أن يتم ضرب المؤسسة الأمنیة كما لا يقبل بضرب الحريات، فلا نظام بلا حريات ولا دولة بلا أمن.
وأضاف سعيد، أن الأمن في خدمة الدولة لا في خدمة أي جھة أخرى، مشيرا في ھذا السیاق إلى محاولات البعض توظیف المؤسسة الأمنیة واستغلال الأوضاع الحالیة لمصلحتها، معربا عن ثقته في وعي الشعب التونسي، ومؤكدا ضرورة تحقیق مطالبه في إطار التعايش السلمي بین السلطة والحرية.
رد الرئيس التونسي جاء عقب تصريحات أدلى بها رئيس البرلمان راشد الغنوشي، حين قال إنه من المفترض أن يكون دور رئيس الدولة في النظام البرلماني الذي يحكم البلاد “رمزيا وليس إنشائيا”، مضيفا أن “موضوع الحكم وموضوع مجلس الوزراء يعود إلى رئيس الحكومة وإلى الحزب الحاكم”.
وخلص رئيس البرلمان إلى أن تونس تعيش صعوبات المزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني، وأن النتيجة تكمن في إقامة نظام برلماني كامل فيه فصل حقيقي بين السلطات، وتكون فيه السلطة التنفيذية في يد الحزب الفائز بالانتخابات.
· الحديث عن مسار دستوري
تصريحات سعيد والغنوشي رد عليها رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالنيابة، هشام المشيشي، أن حكومته ليست معنية بأي خلاف مع أي طرف كان، وإن هدفها الرئيسي هو الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي لا تسجيل النقاط السياسية.
وأضاف المشيشي، خلال زيارة إلى مقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أنه سيتم إجراء اللازم، وفق المسار الدستوري لمباشرة الوزراء الجدد لمهامهم، مشيرًا إلى إنه لا يمكن للوزراء الذين نالوا ثقة البرلمان في التعديل الحكومي الأخير، البقاء دون مباشرة مهامهم في ظل أوضاع اقتصادية وصحية صعبة تمر بها البلاد.
· اتهامات للغنوشي بالسعي للسيطرة على النظام السياسي
وعلى خلفية دعوة رئيس مجلس النواب التونسي ورئيس النهضة راشد الغنوشي إلى إرساء نظام برلماني بالكامل، اتهمت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، الغنوشي بأنه يريد نظاما برلمانيا يسيطر به على مفاصل الدولة التونسية.
وقالت موسي في مقابلة مع “العربية”، إن حكم الإخوان في تونس يمنع الإصلاحات الاقتصادية الضرورية، مضيفة “تونس في وضع اقتصادي خطير بسبب السياسات الخاطئة منذ 2011”.
كما تابعت “نضغط لمنع راشد الغنوشي من فرض أجندته السياسية”، مبينة أن أن تونس تعيش أزمة دستورية وصراعا بين الرئاسات الثلاث.
وأوضحت أن الشعب التونسي يرغب في تغيير الدستور، مشيرة إلى أن نظام الحكم الذي يحدده الدستور التونسي تسبب في أزمة كبرى.
وقالت إنه يجب أن تتحد القوى المدنية التونسية لمواجهة النهضة وتغيير الدستور، مؤكدة أن تغيير الدستور التونسي ضرورة قصوى.
بدورها، اتهمت النائبة عن الكتلة الديمقراطية سامية عبو رئيس البرلمان بمحاولة تطويع الدستور حسب مصالحه الخاصة. وقالت عبر إذاعة “موزاييك إف إم” التونسية، أن الغنوشي تدخل في “ملفات لا تعنيه” على غرار مسألة التعديل الوزاري.
كما أضافت “الضامن لوحدة الدولة واستمراريتها واحترام الدستور هو رئيس الجمهورية”.
· تحرك برلماني جديد لسحب الثقة من الغنوشي
قال النائب عن الكتلة الديمقراطية بدر الدين القمودي إن النواب بدأوا يوم الثلاثاء في الإمضاء على عريضة سحب الثقة، مضيفا أن كتلته تشترط الحصول على الأغلبية حتى لا يحقق الغنوشي نصرا آخر بعد سقوط لائحة سحب الثقة الأولى التي تم التصويت عليها نهاية شهر يوليو من العام الماضي، لافتا إلى أن بعض نواب قلب تونس، أبدوا استعدادا للانخراط في هذا التحرك.
من جهته، دعا النائب عن الكتلة الديمقراطية والقيادي بالتيار الديمقراطي، هشام العجبوني، في تدوينة نشرها الثلاثاء على صفحته بموقع “فيسبوك”، الغنوشي إلى الاستقالة من منصبه حفظا لماء الوجه وتغليبا للمصلحة العامة، مشيرًا إلى أنه يتحمل مسؤولية كل العبث والفوضى بإدارته الكارثيّة، وأن ابتعاده هي بداية الحلّ للأزمة.
من جانبها، أعلنت رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، في مقطع فيديو أن كتلا برلمانية وعددا من النواب غير المنتمين، اقتنعوا بضرورة الإسراع في سحب الثقة من الغنوشي بعدما وقفوا على حقيقته وعلى تجاوزاته التي قد تصل إلى تهديد المصالح الحيوية للبلاد وأمنها القومي، بدأوا في التوقيع على العريضة على أمل الوصول إلى النصاب القانوني لتمريرها وعرضها على التصويت في جلسة عامة للبرلمان، من أجل إبعاد الأخطبوط الإخواني عن المؤسسة البرلمانية.
· إقتراح تعديل دستوري لتوسيع صلاحيات المحكمة الدستورية
كشف عضو المحكمة الدستورية القاضي الدكتور أكرم عارف، المساعدة عن عوائق دستورية وقضائية تحول دون قيام المحكمة الدستورية بالمهمة المنوطة بها كاملة، وأن عدم قيامها بدورها المطلوب منها كاملا لا يتأتى من عجز في الإنجاز أو توان في نظر الدفوع المعروضة عليها.
وقال في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا) يوم الأربعاء، إن النصوص التي أنشأت هذه المحكمة بحاجة إلى تعديل لتوسيع صلاحيات المحكمة من خلال إزاحة عوائق الإحالة إليها بما يمكن شرائح كثيرة من تقديم طعونها أمامها، داعيا إلى إعادة النظر في النصوص الدستورية القائمة.
اقترح المساعدة في ورقة بحثية له نشرتها المحكمة الدستورية، إعادة النظر في المادة 60 من الدستور، وصياغتها على نحو يوسع من نطاق الجهات التي تملك حق الطعن مباشرة أمام المحكمة، وإجراء 3 تعديلات على المادة 60، أولها إعادة صياغتها على نحو يمكن شرائح عدة من الطعن أمام المحكمة الدستورية كالنقابات المهنية والأحزاب المرخصة والجمعيات والنوادي المشكلة وفقا لأحكام القانون؛ شريطة توافر المصلحة والضرر لدى الجهة الطاعنة.
قال المساعدة إن هذه النصوص الدستورية المقترحة تستوجب أيضا تعديل قانون المحكمة الدستورية بما يتفق معها، مؤكدا أنها ستنعكس إيجابا على سلامة البيئة التشريعية بشكل عام، وعلى المحافظة وصون الحريات والحقوق الأساسية للأفراد بشكل خاص.
· مأزق دستوري
في سياق مرتبط، اعتبر المحلل السياسي، صلاح الدين الجورشي، أن “تونس تعيش الآن مأزقا دستوريا؛ بسبب التجاذبات الحادة بين رأسي السلطة التنفيذية ورئيس مجلس النواب”، مضيفًا أن “هذه الأزمة مرشحة لمزيد من التفاقم نتيجة غياب الثقة بين هذه الأطراف وعدم استعدادها لتوفير الحد الأدنى من الانضباط”.
وحذر من أن “ذلك سيؤثر على الاستقرار السياسي والحكومي، ومن شأنه أيضا أن يوفر فرصا لأطراف داخلية وخارجية لتوجيه الرأي العام وللضغط على أصحاب القرار”.
ومضى قائلا إن “رفض رئيس الجمهورية قيس سعيد، دعوة الوزراء لتأدية القسم، يعد سابقة في تاريخ النظام السياسي التونسي”.
وتعيش تونس منذ أسابيع على وقع حراك الشارع احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، كما اكتسح عدد من الشباب المحتج الشوارع الرئيسية في العاصمة، وعبروا عن غضبهم على ما اعتبروه تعاملا أمنيا مع الاحتجاجات، مطالبين بإسقاط منظومة الحكم والافراج عن الموقوفين في الاحتجاجات الأخيرة.