اساطير

حتى لا تتكرر المأساة !

مرة أخرى تعود قضية ملابس التلميذات إلى واجهة الأحداث، لتجعل من جسم الفتيات  المشكلة وتغطي على المشاكل الحقيقية التي تعانيها المدرسة التي لا تزال مرتعا للتطرف والسلفية، ومخبرا لكل التجارب الظاهرة الدينية التي عادت بالمدرسة الجزائرية لا أقول إلى العصور الوسطى، لأن العصور الوسطى أعطت مفكرين وأعلاما من حجم ابن رشد، بل إلى عصور الظلام التي مرت بها الإنسانية الأولى.

هذه المرة أستاذ شريعة، سلفي المظهر، بثانوية بولاية معسكر الذي طرد بسبب محاولة إجباره تلميذات على ارتداء الحجاب وقوله لهم” احشموا شوية استروا رواحكم”، وهي الجملة التي كانت تقطع بسببها الرؤوس أيام العشرية السوداء، إذا ما تجرأت تلميذات على عدم الامتثال لهذا الأمر، فكم ذبحت فتيات على أبواب الثانويات.

وليت الأمر توقف بهذا الأستاذ عند هذا الحد، وبدل أن يعتذر للتلميذات بتدخله في شأنهن، السبب الذي جعل مدير الثانوية يفصله من منصبه، راح يشهر بالتلميذات في المواقع، محاولا استجداء المتابعين للتضامن معه.

ربما يكون قرار فصل الأستاذ تعسفيا، وربما كان على مدير الثانوية أن يكتفي بتوجيه إنذار له، لأن ما قام به الأستاذ هو نشاط دعوي ونشر للفكر السلفي، ولا علاقة له بالنصائح التربوية مثلما يدعي، ولباس التلميذات من مسؤولية أوليائهن، وليس للأستاذ حتى وإن كان أستاذ شريعة أن يتدخل في أمر كهذا، وكان عليه إن لم يعجبه مظهرهن، أن يغض البصر، ويلتزم بإلقاء الدرس، لكن يبدو أن لهذا الأستاذ رسالة سياسية ودعوية  يستغل وظيفته والوسط التربوي لنشرها، وهو ما يعاقب عليه القانون، لأن الأستاذ ملتزم بإعطاء الدرس وليس التدخل في شؤون لا تعنيه.

لباس الفتيات حرية شخصية، تماما مثل إطلاقك لحيتك وحلق شاربيك يا أستاذ ومثل ارتداؤك اللباس الأفغاني، ولهجتك الأزهرية التي تكشف انتماؤك السياسي.

فعندما تقول أن من واجبك النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، فهذا أمر خطير، لأن من سبقوك للنهي عن المنكر والأمر بالمعروف اقترفوا مجازر في حق المواطنين العزل سنوات العشرية الدموية، ومن حق أولياء التلميذات التصدي لأمثالك وللأفكار الظلامية التي تريد زرعها في رؤوس فتيات مراهقات.

ألا يعلم أستاذ الشريعة أن المملكة العربية السعودية مهد الفكر السلفي الظلامي الذي يعتنقه هو، قد تخلت عن لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسمحت بهامش كبير من الحرية في المجتمع السعودي، لكن بعد ماذا، بعد أن دمر عقول أجيال من الشباب مثلك، ستبقى أثار مثل هذا الأفكار تنغص حياتنا وحياة بناتنا لعقود إن لم يكن لقرون أخرى.

المثل الشعبي يقول” لي حب شهيوة يطيبها في عشاه” أي من اشتهى أكلة يطبخها في بيته، ومن أراد أن يحجب أو يستر بنات الناس على حد قوله، يطبقها على بناته أو أخواته، فلن نتسامح بعد اليوم مع مثل هذا الخطاب البائس الذي كلف بناتنا غاليا.

مرة أخرى عقوبة الفصل في حق الأستاذ ربما قد تكون قاسية، لكن لا بأس أن يكون عبرة لغيره، فخطاب الكراهية الذي كلفنا أكثر من 200 ألف قتيل خلال العشرية السوداء بدأ من هنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى