الوعي الإفريقي!

إفريقيا تتحرر من عقدتها، وتخرج ببطء من ليل الاستعمار الطويل، فبعد الحملات التي تشنها حكومات العديد من البلدان الإفريقية على التواجد العسكري الفرنسي على ترابها، والانتقادات اللاذعة التي توجهها إلى السلطات الفرنسية بسبب استغلال ثرواتها وتدخلها في شؤونها الداخلية، ها هو الرئيس الفرنسي يواجه بحقيقة ما يفكر فيه الأفارقة على مختلف جنسياتهم اتجاه فرنسا، ويلخصه الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي في رده على سؤال صحفية حول تصريح لوزير خارجية فرنسا السابق جون إيف لودريان حول الانتخابات الرئاسية في الكونغو الديمقراطية سنة 2019 مشككا في نزاهتها ومتهما القائمين على الاقتراع بالترتيب المسبق للنتائج وأن لا علاقة لها بهيئة الانتخابات.
الرئيس الكونغولي قال مستغلا وجود الرئيس الفرنسي ماكرون “لماذا تختلف رؤيتكم للأشياء عندما يتعلق الأمر بإفريقيا ولماذا لا تتحدثون عن تسوية أمريكية عندما تكون هناك مخالفات في نتيجة الانتخابات أو عن تسوية في الانتخابات الفرنسية مثلما حدث وقت شيراك؟” وكان يقصد بذلك عدم تعليق فرنسا على نتيجة الانتخابات في أمريكا التي شكك الرئيس الأمريكي السابق ترامب في نزاهتها.
وفي موقف شجاع وغير مسبوق من رئيس إفريقي، وجه الرئيس الكونغولي أصبعه في موقف استصغار للرئيس الفرنسي محذرا إياه ” هذا أيضا يجب أن يتغير في طريقة التعامل مع الكونغو الديمقراطية وأن عليكم أن تنظروا إلينا باحترام كشريك وليس بأبوية”.
ربما لم يتمكن الرئيس الفرنسي الذي جاء في جولة إفريقية من إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصالح فرنسا في القارة السمراء وهو يعيش مرحلة جديدة من الوعي الافريقي، ينتظر رد كهذا، فالكونغو على غرار البلدان الإفريقية الأخرى وبقية شعوب المعمورة، استغلت الظرف العالمي الذي أحدثه الصراع الدائر في أوكرانيا حيث تسعى روسيا وحليفتها الصين رسم خريطة نظام عالمي جديد، بتوازنات جديدة وقيم أكثر إنسانية بعيدا عن قيم الغرب المتعجرف الذي فرض منطقه ورؤيته للأشياء حسب مصالحه، وهو الوضع الذي عانت منه طويلا البلدان الإفريقية التي رغم استقلالها المزعوم لم تتحرر من هيمنة البلدان الاستعمارية، التي بقيت تتحكم عن بعد في سلطة القرار بمستعمراتها السابقة، وتخطط للانقلابات العسكرية كلما حاولت الأنظمة الإفريقية أن تتحرر من الإملاءات الفرنسية التي تنهب ثرواتها وتمنعها منتحقيق استقلال اقتصادي يعود بالنفع على شعوبها.
موقف الرئيس الكونغولي هذا عبّر بدقة عما تفكر فيه كل الشعوب الإفريقية التي سئمت من العنجهية الفرنسية والغربية عموما التي تريد أن تبقي القارة وشعوبها في موقف القاصر الذي بحاجة إلى رعاية من شخص بالغ يسير ماله ويقرر ما يليق به.
نعم، على فرنسا وعلى الغرب بصورة عامة تغيير نظرتهملإفريقيا، فالشعوب الإفريقية استفادت من ديمقراطية التعليم ولها من الذكاء والنضج ما يسمح لها بقيادة نفسها بنفسها وما يمكنها من إكمال استقلالها وحماية ثرواتها والتحكم في قراراتها، فالحرب في أوكرانيا وانحياز الغرب لهذه الأخيرة عرى حقيقة الغرب وسياسة الكيل بمكيالين، وهو موقف لم يحظ به الشعب العراقي ولا الأفغاني ولا الشعب الفلسطيني الذي يعاني يوميا القمعوالتصفية العرقية، بينما تقف كل أوروبا وأمريكا وراء أوكرانيا تدعمها بالسلاح والمال والدعاية الإعلامية، وتصف لنا الحرب على أنها بين قوى الخير وقوى الشرمتناسين كل الشرور التي زرعوها في العالم منذ قرون.
حدة حزام